الاثنين، 31 مارس 2008

عشرة أيام .... قصة قصيرة

دي أول إضافة لي في البلوج الجميل دا .... ويارب أكون عند حسن الظن

عشرة أيام

اليوم الأول:

لا أعلم كيف عدت سليماً من المستشفى..

لم أعرف من البداية إن كان هذا هو الطريق إلى المنزل أم أني واقفاً في مكاني مستسلماً لحالة من اللاوعي مسيطرة علي ،حين سمعت صوتها في الهاتف تبلغني أنها لا تستطيع أن تكمل المشوار حتى النهاية ، بعد سنين من الحب المتبادل تقول أنها تشعر بوجود تنافر في طباعنا وعدم التلاقي ما بين أفكارنا و مشاكلنا وكل تلك الأشياء الصغيرة.... تلقي اللوم علي وهي لا تعلم أني كثيراً ما أقنعت نفسي بأن الإختلاف هو جوهر الحياة وهو ضروري لمواصلة مسيرتنا ، لا تعلم أنها أول فتاة قد سكنت بجسدي

لم أستطع أن أبكي لها في الهاتف.... لكن كتف أحمد صديقي كان كفيلاً بامتصاص الدموع ،ولم أرغب في إرهاقه معي و أنا خبير بنوبات اكتئابي وهذه المرة بالتأكيد ليست ككل مرة....

طمئنني قليلاً وهدأ من روعي ،وتركني لحالي يعلم قبلي أن المصيبة ثقيلة لكن ما بيده حيلة ،وعدت إلى منزلي شاكراً الله على تك المناوبة الليلية التي جعلتني أدلف إلى بيت خال كل ما به نائم ساكن ، وأغلقت باب حجرتي وعيوني الحمراء قد أتت على البقية الباقية من وعي لأستيقظ عصر الغد.

********************

اليوم الثاني:

لا أدري كم الزمن مضى وأنا نائم ..

لكن صياح أمي لألحق بصلاة الظهر أفاقني قليلاً .. وبعقلي المشوش واجهتهم

على مائدة الغداء كانوا يتسائلون عن سبب وجومي ولكن كذبة صغيرة عن حالة ميئوس منها في المستشفى جعلتهم يصدقوني خاصة مع علمهم باتصالي النفسي مع المرضى ، وأبي كعادته كان يثرثر كثيراً عن البنات والزواج واللاتي تزوجن وأنا أسمعه بنصف أذني أكاد أصب الحساء الساخن في حلقه وبحيرات الإشئمزاز تغلي بداخلي من هذه الأسرة ومن حياتي معهم ، ممنياً نفسي بقرب التحرر منهم

وخرجت مبكراً إلى عملي أحافظ على تماسكي بالكاد ،أتحاشى النظر إلى أي أنثى مارة خوفاً أن تكون شبيهة لها تذكرني بما حدث وأنا على أية حال قد جهزت نفسي مراراً لهذا اليوم ، فياليت أحمد يعلم فائدة التشاؤم والحزن

في المستشفى بعد العصر كانت الحركة خفيفة تسمح لي بأن أضع رأسي على المكتب ،ومن حين لآخر تأتي ممرضة تتصنع المزاح معي ، لا أردها كما توقعت أتركها تفعل ما تشاء وتقول ما تريد... خاوٍ أنا محروم من حصوني

تآلفاتي وتحالفاتي قد تهاوت ، ولا سبيل لمثلي إلى أي حياة....

ممرضة أو مريضة أو غانية أو حبيبة كلهن صور مكررة ومجردة لتمثال فشلي الخاص بي ، سنوات التعليم قد هزمتني ولم تترك لي سوى صديق وحيد ....وها أنا أنعي حظي وحيد

على نغمات آذان المغرب يبدأ توافد المرضى أنسى قليلاً ما يمر بي ، هي صدمة ليست كأي صدمة في حياتي والوقت كفيل بها لكن ما قيمة هذا الوقت فالزمن الخارجي نسبي وزمني طويل ونفسي ضعيفة ...

ارحمني يا رب

وارهاق العمل يفيقني طويلاً ...حتى بعد منتصف الليل أنتشي بصداقة أحمد الذي حضر بعباراته المواسية وأمثلته التي لا تنفذ ،ومخزون رائع من الأحاديث والآيات والزمن سوف يمضي بلاشك ....

أتت ساعة العودة وأنا أشعر بكوني أحسن حالاً وقد زالت غمامة من أمامي.

********************

اليوم الثالث:

هو آخر يوم في المناوبة الليلية..

سأعود مجدداً إلى التلاحم والتنافر مع عائلتي ..

صحوت على عادتي عصراً ، مارست روتنيني المعتاد حريصاً على رسم ابتسامة غبية حتى لا يدرك أحد مهزلة انفصالي وهم أصلاً لا يعلمون قصة ارتباطي ، جلست معهم في صالة المنزل لعلي أتسلى معهم ...أبي كعادته يكتفي بمشاهدة الأفلام وأمي في المطبخ تفعل شيء ما ، عدت إلى جلستي المعهودة أمام الكومبيوتر أستمع لأغاني عن حب لا يوجد وأقلب قليلاً في مواقع متماثلة ، وقعت عينياي على موقع رائع عن علم النفس التحليلي ساعدني على زيادة تماسكي

وبعد العشاء ذهبت في ميعادي ومارست الروتين المعتاد في المستشفى حتى منتصف الليل حين وفدت علينا حالة عادية لفتاة مراهقة ابتلعت كمية غير معلومة من أقراص غير معلومة هي أسبرين غالباً ، ويرافقها أمها وآخرون وقد لفتت نظري فيهم امرأة مختلفة عنهم بملابسها الأنيقة ووجهها المألوف وجمالها الناضج خاطر عجيب برق في ذهني وقتها .. ولكنها شذت عنهم لحظتها

كانت تعطي الأوامر للمرضات بطريقة احترافية ،استفزتني ولكني حين علمت أنها طبيبة ..أحسست بالإرتياح فهي بالتأكيد قد أدت الإسعافات الأولية لها في الطريق وبالفعل كانت الفتاة تحتاج لنا فقط لكي يطمئن أهلها عليها وتقر أعينهم ، وجلست قليلاً مع هذه الطبيبة وحين عرفتني بنفسها تذكرتها على الفور..كانت تدرس لنا مادة الطب النفسي قديماً في الكلية

وانفتح في قلبي بركان ذكريات عن تلك السنة التي حفرت فيها ينابيع حبي المفقود طردت الخواطر من دماغي وأنا أغرق في الحديث معها عن جوانب علم انفس المختلفة وهي مندهشة من معلوماتي الواسعة ، وبالطبع عرضت علي المساعدة حين علمت بنيتي في دراسة هذا العلم وفارقتني في الثانية صباحاً وأنا متأثر بعلمها الغزير وإن كنت مندهشاً قليلاً من بقاءها خارج منزلها حتى هذه الساعة المتأخرة.

********************

اليوم الرابع :

يوم رائع مناسب لبداية دورة جديدة في فترة الإمتياز

صحوت في هذا اليوم متأخراً لم ألحق بصلاة الجمعة ، فقد ذهبوا جميعاً لزيارة الأقارب في القرية وتركوني وحيداً.... شعرت براحة واسعة ولم أرغب في الذهاب إلى المستشفى ، أغلقت هاتفي المحمول وفتحت الكومبيوتر لأكمل قراءة ما بدأته .... ساعات وأنا ممتزج بحروف وجمل أتعايش مع السحر المعجز للعلم وعقل الإنسان .. كم وافر من معلومات جديدة لاأجد عناءً في فهمها خاصة مع تذكري شروحات الطبيبة بالأمس ، والأمثلة واضحة مباشرة تتكشف لي في حياتي ...

وبحلول منتصف الليل انتهيت من قراءة ماهو منشور على الموقع وعاد الجميع إلى المنزل

وبعض الأدوية ساعدتني على أن أغفو في نوم صعب المنال.

********************

اليوم الخامس :

بداية الأسبوع تبدو مشرقة

ذهبت إلى قسم الآشعة لكي أتسلم عملي ...الأمور تسير ببساطة و الفني هو من يقوم بمعظم العمل وهناك وفرة من الأطباء قائمين بالعمل رغبة منهم في التعلم والعلم

شهر راحة من العمل ولكن لا يوجد مكان آخر أرحل إليه ولا أريد العمل الآن في مستشفى أخرى ، ولا أستطيع المكوث منتظراً ساكناً

ذهبت إلى قسم الأمراض العصبية حيث جلستي المفضلة .... الحالات هناك كثيرة وهم مرضى محتاجين إلى من ينصت إليهم فقط بعيداً عن الأدوية .. يبصقون همومهم وأنا لا أتدخل .. فقط أراقب بحرص من أجل خططي المستقبلية

وجدت حالة من الجنون مثيرة للإهتمام فهذا الرجل يعتقد أن كل النساء تحبه وتهواه ولذا تريد زوجته قتله لتتخلص من فتنته .. مأساته أنه فلاح لا يجيد سوى الفلاحة ...فشلت الأدوية معه فأتى أهله للتخلص منه

استهوتني تفاصيل حديثه ، ذهبت إلى مكتبة الكلية أبحث عن كتاب معين يتحدث عن هذه الحالة بالتفصيل ولدهشتي وجدت هناك أستاذة الطب النفسي ....

في ضوء النهار بدت متألقة تشع حياة من حولها ذهبت إليها من فوري ، وحديث قصير تبادلناه ، كانت سعيدة للغاية باهتمامي الغير معتاد بهذا العلم المنبوذ وللمرة الثانية كانت تعرض المساعدة وانتهى اللقاء بدعوتي للذهاب إلى عيادتها لمشاهدة حالات حقيقية ...وهي مستمرة في حديثها وأنا مذهول من أفكار متلاحقة تسطع في ذهني وأنا أنتبه لحنانها الأبوي وهي تشرح لي بعض النقاط ولهجتها الحازمة الواثقة الحنون مثل معلمتي في المدرسة الإبتدلئية ومثل أمي قديماً قبل أن أكبر.

********************

اليوم السادس:

يوم جديد يحمل بالتأكيد خبر جديد..

ذهبت إلى المستشفى وقضيت ساعات كما أراد لها القدر أن تمضي ، مررت على قسم الأمراض العصبية لأتأكد من الطبيبة عن ميعاد ذهابي لعيادتها ....

صدمتني وهي تعرض علي اصطحابي معها الآن..كدت أجن من الفرحة وأنا أتخيل ثروة علمية مثلها تتحدث معي لوقت طويل

انطلقت على الطريق السريع .. بدأت بالحديث عن الحالات الشائعة في مصر وخطورة الإكتئاب و انتقلت إلى الحديث عن نفسها بجرأة وثقة غريبة .. تشتكي لي من أنها تنصت لمشاكل المرضى دائماً ولا تجد من يصغي إليها كأي طبيب مصري ، وحيدة خارجة من تجربة زواج فاشل بطلاق ناجح وحيدة كانت تسترسل في الحديث .. أخجل أن أقاطعها .. أفتقدت للحب منذ الطفولة مع وفاة أمها ، علاقاتها مع زملائها في العمل ، سنوات عمرها الخمسين هي جمرات صغيرة تدوسها بأفدامها الحافية في طريق الحياة ...

وصمتت على حين غرة..

-انت مستغرب أنا بكلمك كده ليه..

- أنا فوجئت بأنك كويس جداً في معلوماتك عن الطب النفسي وعندك الموهبة

- أنت شكلك دكتور هيبقى ليك مستقبل حلو

- اعتبرني أول حالة ليك...أنا إديتك ثقتي الكاملة

- أنا بحب الكلام وأنا في العربية.....أوقات بكلم نفسي

- وانت من أنصار العلاج بالكلام زي مانا شايفة

- أنت مش محتاج تسجل ملاحظات......فقط اسمعني وجاوبني لما أحتاجك

وانفرط عقال لسانها ويدها لا إرادياً تتحكم في مقود السيارة محافظة على مسارها المستقيم ، تتحدث عن رغباتها الخاصة وحياتها كطبيبة ، وقيود المجتمع وتحررها وماضيها أيام الحركة الهيبية المتمردة.

توقفت تحت باب عيادتها ودعتني للصعود ...

خمس ساعات متواصلة معها أشاهد المراجع متجسدة في أشخاص مختلفين

إضاءة ورسوم ولوحات وموسيقى تميزوا بالهدوء ، ورجال يناضلون من أجل حياة ، وطبيبة متمكنة تصادق المرضى .. تصغي لهم .. تنتشلهم من أوحال الأوهام .. تسمو بروحها فوق آلامهم وتستقي معسول حديثها من نبع علمٍ صاف راق للدنيا.

********************

اليوم السابع:

شتان ما بين الواقع وما بين حلم الأمس..

ساعات سيئة قضيتها في المستشفى مشمئزاً من الجو الإقليمي الخانق السابح في روتينيات لزجة ، لكن ذكريات الأمس تصل بي إلى بر الراحة ، أتذكر جلستها معي حين انتهت من رمضاها .. تمددت على الأريكة وشغلت الموسيقى

طلبت إلى أن أكون طبيبها النفسي بحق ، ساعة كاملة تنزع مساحيق التجميل عن روحها الشابة وقلبها الخالد ، جوهرة رقيقة بداخلها لا تزال صامدة عبر المحن تتحدث عن ذنوب شبابها و تنشد الغفران تبكي لتذكر قصة حبيبها الأول الذي هاجر وتركها وحيدة في معمعة الطب بمصر ، والداها العاديان طالما كانا عقبة أمام أحلامها وطموحاتها ، سئمت هي من حياة الأنثى الشرقية و تريد كسر القيود كثيراً .. تدخن فقط للتمرد .

قلبها الواسع يحتاج إلى من يتخلله ، وتريد تعويض عن السنين الماضية ، باقة ورد صغيرة من زوجها السابق كانت كفيلة بأن تحافظ على الزواج الذي لم يصمد أكثر من عشرة أعوام ... لم تستطع الزواج بصفتها مطلقة في سن الثلاثين ، عدم مقدرتها على الإنجاب نعمة ونقمة فهي تشتاق إلى يد تعتصر أحشائها ولكنها استطاعت الفكاك من ربقة الزواج بسهولة

زواجها كان تقليدياً عن طريق صديقاتها .. طبيب نموذجي من الكلية إلى العيادة إلى السرير ولا وجود لراحة في حياته ، لا تريد إلقاء الذنب عليه بالكامل

أسترجع دقائق حديثها وتفاصيله وأشعر باقترابها كثيراً من مناطق مجهولة مدفونة رغماً عني في أعماقي ، وحديثها الشجي لا ينوي نهاية ، أحتاج إلى وقت أكثر معها حتى نصل إلى حل لمشاكلها او مشاكلي ، بالإضافة إلى خبرة مجانية

واليوم يمر بلا جديد في المستشفى فقط...أعود إلى المنزل مساءً...أجد الطعام تقليدياً بارداً دائماً..أشعر بالوحشة والوحدة وأنام.

********************

اليوم الثامن:

لم أطق أن يخلو اليوم من الحركة والإثارة

ذهبت في الثانية عشر إلى مكتبها لأجدها تطالع كتابا ً.. أشارت لي بالدخول وكادت هي تبدأني بالحديث حين توقفت ..وأنا أعتقد أنها انتبهت لاحمرار وجهي لا أعلم ماذا أقول لها وأنا شاعر بالخجل من طلبي الغبي ولكن صوتها الهاديء وتجاعيد وجهها الناعمة شجعاني على أن أصارحها برغبتي في أن تكون هي طبيبة نفسية ولو ليوم واحد...

وخرجت الكلمات متتابعة من فمي وجاء ردها الهاديء – كأنها تتوقع ذلك – بتحديد موعد في عيادتها ...

حين وصلت وجدتها وحيدة قد أنهت مرضاها باكراً حتى تمنحني وقتاً كبيراً...

-لا أعرف كيف أبدأ...اعذريني لحديثي باللغة العربية..فأبي معلم من خريجي الأزهر وله تأثير كبير علي...حياتي مفككة ، لا أعلم من أن يبدأ الطريق أو ماهي علاماته .. منذ أيام قليلة تركتني من أحببتها لا أعلم حتى إن كنت أحبها أم لا.. في مراهقتي بنيت نظريتي الخاصة عن الحب التوافقي وانتظرته بلا طائل في الكلية حتى اقتنعت أن الحياة هي حرب ، ويجب علي أن أغزو قلب من أريد

بدأت كنزوة طلبة في السنة الثانية واستمرت....

أبي لا داعي للحديث عنه كثيراً فهو موظف في الحكومة ونحن من الطبقة المتوسطة المنقرضة

دائماً ما كان رافضاً لإعطاء دروس خصوصية إلا بالقدر الكافي لمعيشتنا من وجهة نظره ،وأمي كأي ربة منزل ...ماذا أنتظر منها ؟

وحيداً وسط تلال الكتب التي كنت أشتريها منذ صغري شذذت عن التكوين الطبيعي لمن هم في مثل ظروفي ، لم أحب بنت الجيران ولم أتسكع على ناصية الشارع .. كنت مثال جيد لطالب مجتهد في دراسته ..أكره أشياء كثيرة أتعامل معها يومياً .. شقتنا .. سريري .. ملابس رخيصة .. كتب مستعملة .. فاكهة من سوق شعبي .. مواصلات مزدحمة .. حتى إذا أخطأت يوماً وبادلتني فتاة نظرات مبتسمة .. أتطلع إليها لأجدها متوسطة الجمال حقاً..

وكنت دائماً أحلم بوهم لا يتحقق...

-لا أعرف كيف تعرت نفسي أمامها وأنا أخبرها عن ماضٍ لا يعرفه سوى الله تذكرت أشياء صغيرة قد ماتت بداخلي .. بكيت لأول مرة أمام امرأة ..

وفي نهاية اليوم ودعتها وأنا أشعر بذلك الزلزال يصرعني وأعاصير باردة تهب على كياني الدافيء.

********************

اليوم التاسع:

ظهر التأثير مباشرة علي..

انفصلت كليةًً عن العالم المتخلف من حولي ، أمي تصبحني بحديث طويل عن عدم اتخاذي أي خطوات جدية من أجل بناء مستقبلي .. لم أناقشها .. فقط أسمع كلامها وابتسامة مطلة من عيوني .. قبلت رأسها وذهبت إلى المستشفى على قدمي .. أرغب في إحتضان أي من يقابلني .. أود لو تمطر السماء في هذا الصيف الحار وتغسل المياه غبارالنفوس .. وتجري السعادة في مياه النيل

وصلت وصعدت رأساً إلى مكتبها .. بلاوعي قادتني قدماي إلى هناك .. وجدتها مبكرة عن موعدها .. ابتسمت لرؤيتي .. قالت أنها استيقظت مبكرة تشعر بالنشاط وضحكنا وهي تحكي لي عن شوارع خالية تقود فيها لأول مرة...

وجلست إلى مكتبها.

- دكتورة نيفين.....أنا كنت عايز أقولك حاجة

- اتفضل يا علاء

- أنا مش قادر أنسى الكلام اللي أنا قولته امبارح .. فيه حاجات غريبة كان نفسي أقولها .. ومش قادر أخرجها .. أنت على عكس كتير من الناس ممكن تفهميني ... أنا صعب عليا الكلام ده .. بس فعلاً من غير تفكير .. شكراً على كل حاجة عملتيها معايا .. أنا لقيت فيك أم وأخت وصديقة أحياناً .. أنت حدث غير عادي في حياتي...

- ما تكملش يا علاء .. غلط أنك تمدح الإنسان في وشه

- دي مجرد مقدمة .. أنا جوايا حاجة لازم تعرفيها..

- مش لازم تتكلم....الكلام مش مهم

- بس أنت لازم تسمعيني ... أنا محتاجك

- أرجوك تسكت .. الحاجة دي مش لازم تقولها .. ..أنا شايفاها في عينيك .. في حركة إيديك .. في نور وشك .. في دنيا اتخلقت لي من جديد .. أرجوك ماتكملش....أنت عارف الرد كويس ..

- أنت مستني دا كله عشان تتأكد من الحاجة دي .. أنا كنت خلاص هانفجر من اول حرف أنت قولته .. حسيت بانسان جديد .. كلماتك البسيطة ..ودموعك وكل تفصيلة صغيرة .. أنا صعب عليا الكلام .. بس أعتقد أن احنا عاقلين وبنفكر كويس .. وهنتعامل بواقعية

- ازاي يعني..؟

- انت تعتقد ان اللي بيحصل دا طبيعي..؟

- مش مهم طبيعي أو لأ....المهم احنا نقدر نعمله أو لأ..

- احنا عايشين في مصر

- نعيش في دنيا تانية .. الشغل برة سهل لأي واحد مجتهد....

- وانا كبيرة في السن ....... في سن والدتك

- بس قلبك طفل بيكملني ويسندني

- أنت لسة صغير .. مش عارف حاجة .. نزق الشباب جرفك .. الكلام ده مجرد عاطفة وقتية .. وأنت عارف كويس أنك بتبحث عن عاطفة أمك عندي .. أنا أرفض أكون كده

- لكن ....إزاي تقولي كده .. ليه تضحكي على نفسك .. أنا عاقل وعارف .. أنت ما حسستنيش خالص انك أمي بس .. أنت كنت أنثى كاملة

- بعد إذنك......ورايا اجتماع مهم

.....................

تركتني وحيداً أتحمل عبء الخيبة .. أجر أقدامي إلى المنزل ،ومرارةٌ ألفتها تداعب حلقي .. لا أعرف كيف ولا متى عدت .. أمي تراني تحسبني منهك من العمل .. بوجهي الأصفر وكتفي المتهدل .. استلقيت على فراشي .. أتساءل عن مدة سحابة الكآبة هذه المرة......

********************

اليوم العاشر:

لا جديد تحت الشمس...
لم أستطع الذهاب إلى المستشفى .. لكن أحمد أتى واصطحبني قسراً من المنزل يحسبني لا أزال أعاني لوعة فراقي عن أسماء
هو يعدني بأخبار سعيدة بعد انقطاعه عني لأسبوع في إجازته .. وفي المستشفى وجدت أسماء أمامي تحمل باقة من ورود بيضاء صافية وهدية ملفوفة بعناية في اليد الأخرى .....
وانفردنا في حديقة المستشفى .. تكاد تحتضنني .. تقسم بأنها قد أخطأت ، وأنها ام تقدر على البعد عني أسبوعاً .. تطمع في مصالحتي وأن نعود كما كنا .. تذكرني بعهود قد قطعناها .. تتحدث بلهجتها الطفولية الجميلة .. بشرتها المخملية تتلألأ في آشعة الشمس الذهبية .. تقلد عبوس وتقطيبي .. حتى نجحت في رسم ابتسامة حقيقية على وجهي .. نظرت إلى عينيها الشابتين .. صفاء وجهها .. هالة من العشق تنمو حولها .. دمعت عيوني .. وحمدت الله و احتويت كفيها براحتي طالباً منها أن تصمت وأن تصغي معي إلى صوت كروان عاد يغرد من جديد في السماء.


********************

هناك 4 تعليقات:

shadowless يقول...

قصة جميلة اسلوبها رائع رغم اختلافي مع اسلوب الحوار , امتعتني بحق
شكرا

Feda يقول...

أولا شكرا على أول إضافة فى البلوج "الجميل دا" على حد رأيك يعنى ونتمنى إنه يفضل كدا فعلا
وطبعا إنت عند حسن الظن دائما
ثانيا شكرا على القصة الجميلة اللى استغرقتنى دى أسلوبك قوى وجذل كداكالمعتاد مش بسيط أبدا
القصة مليانة تفاصيل أليق برواية منها بقصة قصيرة ،، قدرتك على تحليل الشخصيات والمشاعر الخاصة لا بأس بها وإن كنت أتمنى لك انك تطور نفسك أكتر فى دا
الأحداث بقى فيها شئ غير منطقى ما بلعتوش بصراحة
أولا انفصال البطل عن حبيبته ما اديتوش مبرراته الكافية جه بشكل خاطف كدا ما تعمقناش فيه وبعدين وقوعه فى حب سيدة فى عمر أمه مش كدا وبس محاولة إنه يقول لها والايحاء إن هى كمان بادلته نفس المشاعر الموضوع يفضل غير منطقى وغير مبلوع أو واقعى على الأقل كان ممكن بجهد أكتر منك لو اشتغلت على دا تحاول تقنعنا إن الحدث الغير عادى دا حصل لأن الظروف كانت غير عادية اللى قدمته ما كانش كافى لتقبل اللى حصل !!

برضه مشهد اليوم الأخير جه كدا زى الحلم من غير تمهيدات ولا منطقية ،،
معلش بقى يا "أنا من كنت محتاجا "
بس برضه شكراا جدا على القصة لأنها فضلت رغم ملاحظاتى ممتعة

Wallflower يقول...

بداية القصة جميلة فعلا..
جميل عرضك للعلاقة المعقدة اللي بتجمع المريض بالدكتور النفسي..
رغم احساسي بان قصتك المرة دي مش بمستوى قصصك اللي قرأتهالك..
حسيت انك استعجلت قبل ما تعرضها..كان ناقصها شوية رتوش وتبقى اجمل..
الشخصيات مكنتش بالعمق المتوقع منها..حسيت بسطحية نوعا في طريقة عرضك ليهم..كمان طريقة السرد نفسها بسيطة خالية في اغلب الوقت من اي جماليات..مش عارفة يمكن عشان انا مش بحب الاسلوب السردي المجرد..
اتفق مع فدا في لامعقولية الاحداث نوعا..القفز بالمشاعر في فترة زمنية قصيرة كده غريب جدا و ان كنت حاولت تبرره باسباب متعلقة بحبيبته السابقة وأسرته المفككة..
وزي ما فدا قالت برضه ان القصة رغم ملاحظاتنا فضلت ممتعة جدا..
شكرا جزيلا..
وبالتوفيق دايما ان شاء الله..

Moustafa` يقول...

خرافه
وحاسس إنها حقيقه
فكك من اى كلام .. انت واد تمام